Tuesday, September 30, 2008

الخوف


وقفنا طويلاً في شارع بورسعيد نتحدث، أو بالأحرى كانا يتحدثان وأنا أقف مطرقاً في صمت، أهز رأسي بين الحين والآخر مُظهراً اهتمامي بما يقولان، بينما كان اليأس والكآبة يتسربان إلى عروقي في بطء، وحين نفد صبري طلبت منهما التوقف قائلاً : طيب كفاية، نقفل الموضوع على كده بقى عشان أنا تعبت.

في لحظات تحولت كلماتي التي أكتبها وتُحلِّق بي حول العالم إلى سجن وتعذيب وخراب لا يلحق بي فقط، ولكن أيضاً بكل من حولي من قريب أو بعيد.

لم أنم جيداً في تلك الليلة، وكل الليالي التي استعدت فيها هذا الحديث بكل تفاصيله المؤلمة. هل جربت يوماً أن ينصحك أحد المقربين بأن تقتل الشيء الوحيد الذي له معنى في حياتك؟ أن تنهي العمل الوحيد الذي تجيده، قبل أن تبدأه؟
هل خوفنا هو الذي يقتلنا أم عدم الخوف؟ وأيهما على حق، من يسير بجوار الحائط أم الذي يصرخ في وجه كل ما يراه خطأ؟
"واحد مصري كندي دخل يصلي في الحسين مسكوه عشان بدقن، قعد أسبوعين في السجن وطلع أخد شنطته وقال أنا مش راجع البلد الوسخة دي تاني"، إذن يا صديقي الذي ينصحني بعدم الخوض فيما يُغضب الأسياد، أيرضيك أن ترى هذا الظلم وتصمت؟"
أنت يرضيك أهلك يتبهدلوا بسببك في السن دي؟ وأخوك يضيع مستقبله؟ أنت عارف بيعملوا إيه في أمهات المساجين ومراتاتهم وإخواتهم؟"، وماذا يضمن لكما ألا يحدث هذا لنا جميعاً دون أدنى سبب، أحدكما يقول لي "إحنا مش قد الناس دي" ومعه حق، ولكنه لم يقل لي من يحمينا من هؤلاء إذا قرروا البطش بنا دون أي سبب، ماذا يا صديقي لو أن زوجتك وهي تسير معك في الشارع أعجبت الباشا فقرر تلفيق قضية مخدرات لك حتى يحظى بامرأتك؟
"أنت مبهور ببتوع القاهرة اللي أنت ماشي وراهم وحيودوك في داهية، الكل عمال يطبل لك ويسقف لك على اللي بتكتبه، وماحدش خسران حاجة لو اتقبض عليك، مروة دي مسنودة وبتطلع في التلفزيون، لو حصل لها في يوم أي حاجة حتلاقي ألف واحد وراها".
"أنت ما دخلتش أقسام ولا نيابة قبل كده".
"ممكن يوقفوك عريان ملط ووشك للحيط كذا يوم، واللي معدي يضربك أو يـ....ك، وما بتدخلش الحمام، بتعمل على روحك وأنت واقف"
"أنت سمعت عن الأوضة اللي تحت الأرض؟"
"إبراهيم عيسي وعبد الحليم قنديل دول حمير وكدابين، كل اللي بتقراه في الجرايد ده كدب، أنت عارف البلد ماشية إزاي؟"
إذا كانا يكذبان يا صديقي، فمن أين أتيتما أنتما بكل هذه الوقائع التي يشيب لها الولدان، والتي جعلتني أفكر ليس فقط في التوقف عن الكتابة، بل التوقف عن الحياة أيضاً، عن قتل أي أحلام بداخلي، وإجهاض أي أمل في غد أفضل ولو بقليل، جعلتني أفكر في الرحيل النهائي وعدم العودة، أو التظاهر بالموت كي أحمي كل من أحبهم من البطش الأعمى الذي يطال الجميع.
تنصحانني وتتهمانني بالحماقة والجنون وكأنني أعيب في الذات الإلهية، أو كأنني أختلق ما لا أراه أمامي، مع أنني لا أفعل شيئاً سوى أن أسرد الواقع. من منا لا يرى أمامه الفساد والقهر؟ من منكم لا يقف عاجزاً أمام السلبيات التي طغت على واقع هذا المجتمع حتى أصبحت هي القاعدة وليست الاستثناء؟ أصبحنا نتعجب حين نرى أحداً لا يسرق ولا يرتشي ولا يستغل نفوذه ولا يمتص دماء من هم أقل منه.
كلنا نقول "وأنا مالي.. ده مش شغلي"، تقولان لي هذه الجملة ولكنكما لا تعطيانني الحل البديل، فأنا لا أستطيع أن أصمت، من يخاف هو على خطأ، فلماذا نخشى أن نقول للص "أنت لص" وأن نقول للفاسد "أنت فاسد" ولا يخشى هو من الناس؟ من الذي زرع فينا ثقافة الخوف هذه؟ وما هو الحل في رأيكما؟
أهو الصمت والرضا بالأمر الواقع؟ أم النفاق؟ أم الهروب؟ أم الانتحار؟ من يعرف الإجابة الصحيحة يخبرني، ولكنني للأسف لن أقدم طناً من الحديد كجائزة، قد تكون الجائزة مزيداً من الكلمات التي ستودي بي إلى الجحيم.

3 comments:

Anonymous said...

(وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ) الأنعام/116

(أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُل كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً (النساء

"لم يبقى فى جسدى موضع اربعه اصابع الا و فيه ضربه سيف او طعنه رمح, و ها انا اموت على فراشى كما تموت البعير, فلا نامت اعين الجبناء"
خالد بن الوليد على فراش الموت

و مدام كده كده هنموت , يبقى نموت فى سبيل قضيه

keep it up
elsegn lelged3an :)

بنت الحياه said...

اسر

البوست رائع فعلا، بحييك بقلب جامد مافيهوش نتفة خوف.

بس أنا عارفة كويس مين اللي زرع ثقافة الخوف يا اسر
جرب هوش أي مصري واتحداك لو مابربش!!

أهالينا هما اللي بيزرعوا فينا الخوف زي مابيزرعوا حاجات كتير تانية كبرو عليها وصدقوها لحد مابقت جزء من شريعتهم اللي إحنا بأي إشارة رفض بنعلن فيها بايزيييييييين!!

التحرر من الخوف مش هييجي غير لما الناس تبدأ تغربل اللي محشي فب أدمغتها، واللي مايعرفش بقي ينسف دماغه ويرحنا!!

شابووووووووو!!

Marwa Rakha said...

انا اسفة هعلق بالانجليزى علشان اوصل المعنى اللى انا عايزاه بالظبط

There is a saying ya Asser that says if you are not using it then you are abusing it.

"It" here stands for anything that God has given you and you decided not to use it.

In your case you were blessed with many things; eyes with x-ray vision for you see beyond appearances, an analytical mind that reads into the words and lines of others and events, a bilingual voice that reaches the globe form pole to pole, and a heart that has faith.

You are destined to use those gifts for the benefit of this country or else you will be cursed and God will take back his gifts .. have faith .. your friends do not have your gifts this is why they do not understand your cause.

انا مش مسنودة علشان طلعت كام مرة فى التليفزيون ... انا مسنودة بنعم ربنا عليا و ايمانى بان مفيش حج هياخد غير نصيبه